فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا تبايَعتُم بالعِيْنَةِ، وأخذتُم أذنابَ البقر، ورضيتُم بالزَّرعِ، وتركتُم الجهاد، سلَّطَ الله عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حتى تَرجِعوا إلى دينكم » أحمد وأبو داود( ).
فنحن اليوم نخوضُ معركةً مصيريةً مع عدونا الغادرِ الماكرِ، وليس لنا من سبيل إلى التَّغلُّبِ عليهم إلا بالرجوع إلى الله، والاعتصام بحبله المتين، واتباع تعاليم الإسلام ومبادئه الرشيدة، التي كان التمسك بها عند المسلمين الأوائل، والعمل بموجبها سبباً في انتصارهم على أعدائهم، وامتدادَ فتوحاتهم في الشرق والغرب.
وهذه التعاليمُ واضحة جلية: { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108]
فهي تدعو إلى الإيمان الصادق بالله عز وجل، والاحتفاظ بالعقيدة الصحيحة، وإلى إعداد العُدَّة المادية والروحية الكافية لإرهاب الأعداء؛ كما تدعوا إلى الجهاد بالنفس والمال، والاتحاد والصبر والثبات في الميدان.
وإنَّه ممَّا يؤلمُ النفوسَ ويُدمي القلوبَ أن يَبقى عدوُ المسلمين محتلاً لبلادِهم سنوات وسنوات، ويجول فيها ويصول، ويتجبَّر ويعلوا ويتيه؛ وفي كلِّ يومٍ يظهر علينا بشيءٍ جديد؛ اعتداءات هنا وهناك، وإجراءات تعسفية بالآمنين من السكان، وقوانين ظالمة يُطرد بموجبها أصحاب الحق من بلادهم، وتصادر أموالهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وتآمر على المسجد الأقصى المبارك تارة بإحراقه، وأخرى بإجراء الحفريات تحته وبجانبه من أجل انهياره وسقوطه لإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه بالإضافة إلى هدم العقارات الوقفية وإقامة العمارات السكنية لإسكان المهاجرين اليهود فيها لتغيير معالم بيت المقدس وتهويدها، وإزالة الصِّبغة العربية والإسلامية عنها؛ غير عابئ بالمسلمين، ولا مهتم بالعالم أجمع!.
فاسترداد الأقصى المبارك، وتحرير الأراضي المحتلة لا يَتمُّ بالأقوال والاحتجاجات، ولا بالمسيرات والبرقيات، ولا بأي عُنصرٍ خارجٍ عن إطار الإرادة الإسلامية المخلصة وتعاليم الإسلام السَّامية التي لا ترضى لأصحابها سوى العزةِ والكرامة: " { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8]
فالاحتجاج والمسيرات لا تُعيدُ حقاً، ولا تُرجعُ وطناً، ولا تُنقذُ مسجداً، ولا تدفعُ شراً وكلُّ من يُحاول الوصول إلى أهدافه بمثل هذه الأمور إنما يحاول عبثاً، فلغةُ الاحتجاجات أصبحت في هذا الوقتِ العصيبِ وقتِ الحديدِ والنارِ - عقيمةً عديمةَ الجدوى!، فلا يَفِلُّ الحديدَ إلاَّ الحديدُ، ولا يُقابلُ القوةَ إلاَّ القوةُ، وليس للضعيفِ مكانٌ في هذه الحياة!.
وإنه لمن أوجب الواجبات على المسلمين أن يَهُبوا هبةَ رجلٍ واحدٍ، وينفروا خِفافاً وثِقَالاً لنجدةِ الأقصى من أيدي إخوان القردة والخنازير.
فلا يحقُّ لمسلمٍ أن يَغمضَ له جِفنٌ، أو تنامَ له عينٌ والمسجد الأقصى المبارك في قبضة الأعداء وسيطرتهم.
والفرصة لا تزال سانحةً أمامنا فانتهزوها، فعلينا أن نملأ جوانبنا بالثقة بالله، وأن نُصمِّمَ العزم ونخلص في العمل، وأن نأخذ بالأسباب المجدية الموصلة إلى حقوقنا، وأن نجعل من أسباب هزيمتنا عناصرَ قوةٍ وشجاعةٍ، ومن أشلاءِ كارثتِنا مصدرَ بسالةٍ وإقدام.
وعلى المسلمين أن يعلموا: أنَّ هذه هي الأيامُ الخطيرةُ في تاريخهم؛ بل هذه هي الأوقاتُ الرهيبةُ التي تُمتحنُ فيها قوةُ إيماِنهم، وسلامةُ يقينِهم، وصدقُ عزيمتِهم، وثباتُهم على الحق والدفاع عنه حتى يُشرقَ الحقُّ بنوره، ويزهقَ الباطلُ أمامه ( ).
قال تعالى: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم: 4-6]
وبعد هذا فقد جمعنا لك أخي المسلم حلولاً لرفع راية الجهاد نحو تحرير بيت المقدس من أيدي يهود، وهي حلولٌ قابلةٌ للأخذ والعطاء؛ بل أكثرها يحكمه الواقع!.
لذا لن يكون الكلام عن الجهاد اليوم كلاماً ارتجالياً نظرياً تسعه الدفاتر، والخطب والمحاضرات كما بيَّنَّاه آنفاً كلاَّ؛ بل طرحاً فيه شيءٌ من الواقعية – إن شاء الله - !.
فعند هذا عذراً إليك أخي: إذا خانني اجتهادي، أو كذَّبتني آرائ؛ ولكن حسبي قول الله تعالى:
{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود: 88]
وقوله: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]
وقوله: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286]
فطرحنا إذن للجهاد في أرض فلسطين، مجملٌ في طرائقَ، ومسالكٍ كثيرةٍ كما يلي:
ـ صدقُ النِّية، وقوَّةُ العزيمة، وجلاءُ الرغبة في جهادنا لليهود في أرض فلسطين.
نعم لا شك أن أكثرَ المسلمين صادقون في رغبتهم في جهاد اليهود، وإخراجهم من أرض فلسطين، ولا أبالغ يوم أقول: والله وبالله وتالله!؛ لو فُتح بابٌ إلى فلسطين لرأيت عجباً ما كان لك أن تَحلم به؛ فضلاً أن تراه أو تسمع به، وذلك يوم ترى المسلمين يركبُ بعضُهم بعضاً وهم يتدافعون على باب الجهاد كهولاً، وشباباً، وكباراً، وصغاراً؛ وكأني أتشنَّفُ صوتَ قائلهم: السكينةَ السكينةَ عبادَ الله!! فأرضُ فلسطين لا تسع لمليارِ من البشر!!.
إلاَّ أننا مع هذا التفاؤل الكبير ينبغي لنا ألاَّ ننسَ أمراً مهماً؛ أحسبه من الأهميَّة بمكان!، وإلاَّ ذهبت آمالُنا، وحلولُنا هباءً منثوراً أدراج الرياح كما يُراد لها من قبلُ ومن بعدُ!!.
وذلك كامنٌ في معرفةِ حقيقةٍ خطيرةٍ، وهي: أن قضايا الأمة الإسلامية لن تتغير أبداً، كما أنها ستبقى أمداً؛ إذا ما علَّقنا آمالنا، وحلولَنا يوماً من الأيام بأيدي وسياسة أكثر حكام المسلمين!!.
إن هذه الحقيقةَ ينبغي أن تكون نصب أعيننا، وقضيةً مسلَّمةً عندنا!.
كما يجبُ علينا أن نعلم حقائقَ مهمةً، وإن سألتني عن بعض هذه الحقائقِ؟!، أقول لك: إن العالم الإسلامي لا ينسى قضيةَ أفغانستان مع الشيوعيين، يوم انتظر المسلمون من دولةٍ إسلاميةٍ أن ترفع راية الجهاد، وأن تتقدَّم بجيوشها وعتادها لتحرِّر بلاد المسلمين من قبضة الشيوعيين!!.
وعندما طال الانتظار، ويأس أهل أفغانستان عند ذلك انتفضت حفائظ المسلمين هناك، وثار طلبة العلم، وقام المصلحون في إنقاذ بلادهم من طغيان، ووحشية النظام الشيوعي الكافر... نعم؛ قاموا قومت الليث الكاسر، والتفَّ المسلمون حول طلبة العلم ليقوموا بواجبهم نحو بلادهم؛ ضاربين بتنديدات واستنكارات أكثر حكام المسلمين عُرض الحائط!، فكان منهم أن طهَّروا بلادَهم، ورفعوا راية الإسلام خفَّاقةً ترفرف فوق جثثِ العابثين ببلادهم!. الله أكبر.
كما لا ننس ما صنعه أبطال المسلمين وليوث المجاهدين في أرض البوسنة والهرسك يوم أعلن العالم الغربي الكافر وقف القتال، ووضع الهدنة، وطرح السلام!!. كلُّ هذا لمَّا علم طلبة العلم والمجاهدون أن التنديدات والاستنكارات لن تفعل شيئاً!. لذا هبُّوا وحداناً وزرافات ممتثلين قول الشاعر:
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى ناجِذَيْهِ لهـــمْ طَــــارُوا إليـه زَرَافـــاتٍ وَوُحْدَانـــا
لا يَسْألُونَ أخاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهمْ في النَّائِباتِ عَلى مـا قَالَ بُرْهَانـا( )
وهل ينسى أحدٌ من المسلمين ما فعله رجال وأسود الشيشان يوم انتظروا أن ترفع راية الجهاد من بلاد المسلمين، أو تأتي الجيوش العربية لتنقذ مسلمي الشيشان!!، فلمَّا كان ما كان قام المجاهدون يدافعون عن أرضهم وبلادهم ورفع الظلم عن إخوانهم... فكان لهم ما سجله التاريخ لهم، وما عَلِمَه العالَمُ الغربي أجمع عنهم، بأن هنالك رجالاً لا كالرجال، ونفوساً لا كالنفوس، وأبطالاً لا كالأبطال!!.
إنهم مسلمون اشتروا الجنة بالحياة الدنيا!!، وباعوا أنفسهم من الله تعالى!! نعم: " ربحت البيعة ".
وليست أرتيريا عنا ببعيد يوم قام طلاب العلم بواجبهم نحو بلادهم ودينهم فرساناً وأبطالاً يجولون الصحاري، ويصعدون الجبال، ويخوضون البحار... كلُّ هذا لعلمهم الصادق أن بلادهم لن تتخلص من أيدي النصارى والعلمانيين إلاَّ بدمائهم، وأرواحهم!، في حين أنهم قد ركلوا بأقدامهم ما يتشدق به غيرهم من أذناب الغرب!.